خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 19 من رجب 1444هـ - الموافق 10 / 2 / 2023م
) وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ دَلَائِلَ رُبُوبِيَّةِ اللهِ تَعَالَى، وَدَلَائِلَ وَحْدَانِيَّتِهِ فِي أُلُوهِيَّتِهِ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى؛ فَالسَّمَاءُ ذَاتُ الْأَبْرَاجِ، وَالْأَرْضُ ذَاتُ الْفِجَاجِ، وَالْبِحَارُ ذَاتُ الْأَمْوَاجِ، كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ وَجَبَرُوتِهِ وَمُلْكِهِ وَقُوَّتِهِ، ){إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ، وَسَوَّاهَا فَوْقَنَا وَرَفَعَ، {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج: 65]، وَهُوَ الَّذِي بَسَطَ الْأَرْضَ وَثَبَّـتَهَا بِالْجِبَالِ وَأَرْسَاهَا، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَوَامِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وإِبْقَائِهِمَا إِلَّا هُوَ؛ {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } [فاطر: 41]، فَمَا أَعْظَمَ قُدْرَةَ اللهِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ! فَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ! {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [فصلت: 53].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
حِينَ يَعْلَمُ الْمُسْلِمُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى سَخَّرَ لَهُ الْكَوْنَ كُلَّهُ وَمَا فِيهِ، لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَغَايَةٍ عَظِيمَةٍ، أَلَا وَهِيَ إِفْرَادُ اللهِ تَعَالَى بِالتَّوْحِيدِ، وَالْبُعْدُ عَنِ الشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13]، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَحِّدَ اللهَ وَيَرْجُوَهُ، وَيَعْبُدَهُ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ وَلَا يَعْصِيَهُ، فَمَنْ تَفَكَّرَ فَاتَّقَى اللهَ وَوَحَّدَهُ؛ أَثَابَهُ اللهُ وَشَكَرَ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَرَحِمَهُ، وَمَنْ عَانَدَ وَتَكَبَّرَ؛ عَاقَبَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابُهُ أَشَدُّ وَأَكْبَرُ؛ ){وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
عِبَادَ اللهِ:
وَإِنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ أَحْوَالِ هَذَا الْكَوْنِ الْمُعْتَادَةِ مَا بِهِ يَتَذَكَّرُونَ، وَإِلَى رَبِّهِمْ يَرْجِعُونَ، وَخُصُوصًا عِنْدَ تَغَيُّرِ أَحْوَالِ الْعِبَادِ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ؛ ) وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ( [الإسراء:59]، قَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ: (إِنَّ اللهَ يُخَوِّفُ النَّاسَ بِمَا شَاءَ مِنْ آيَةٍ لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ، أَوْ يَذَّكَّرُونَ، أَوْ يَرْجِعُونَ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْكُوفَةَ رَجَفَتْ عَلَى عَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ t، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَاعْتِبُوهُ) [رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ].
فَمِنْ هَذِهِ الآيَاتِ مَا يَمُرُّ بِنَا -عِبَادَ اللهِ- وَبِغَيْرِنَا مِنَ الرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ، وَمَا يَحْصُلُ مِنْ زَلْزَلَةِ الْأَرْضِ وَاهْتِزَازِهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِنَّ هَذَا الرَّجْفَ شَيْءٌ يُعَاتِبُ اللهُ بِهِ الْعِبَادَ)، فَالْمُؤْمِنُ يَخَافُ أَنْ تَكُونَ عَذَابًا، فَيَعْتَبِرُ وَيَتُوبُ، وَيَرْجِعُ وَيَؤُوبُ، وَهَكَذَا حَالُ النَّبِيِّ r حِينَ تَكُونُ مِثْلُ هَذِهِ الآيَاتِ؛ فَقَدْ قَالَ أَنَسٌ t: (كَانَتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إِذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ r) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
أَيْ: مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ فِي الرِّيحِ عُقُوبَةٌ ، وَلَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاتِهِ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، فَهَذَا حَالُ الْمُؤْمِنِ مَعَ هَذِهِ الآيَاتِ، فَيَخَافُ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَ الْأُمَمَ قَبْلَهُ، فَقَدْ عُذِّبُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الرِّيَاحِ وَالزَّلَازِلِ؛ قَالَ تَعَالَى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40].
عِبَادَ اللهِ:
يَجِبُ عَلَيْنَا عِنْدَ الزَّلَازِلِ وَالْحوَادِثِ الْكَوْنِيَّةِ أَنْ نُكْثِرَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ، وَنَفْزَعَ إِلَى ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَإِلَى الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؛ فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنَّ الْفَسَادَ وَانْتِشَارَ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ مِنْ أَسْبَابِ تَغَيُّرِ أَحْوَالِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَظُهُورِ الْآفَاتِ وَالْأَوْبِئَةِ وَالْأَمْرَاضِ وَالزَّلَازِلِ وَغَيْرِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (فَسُبْحَانَ مَنْ أَنْعَمَ بِبَلَائِهِ، وَتَفَضَّلَ بِعُقُوبَتِهِ، وَإِلَّا فَلَوْ أَذَاقَهُمْ جَمِيعَ مَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ).
فَانْتِشَارُ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي -عِبَادَ اللهِ- وَعَدَمُ إِنْكَارِهَا، وَالْأَخْذِ عَلَى أَيْدِي السُّفَهَاءِ الْمُعْلِنِينَ بِهَا - مِنْ مُوجِبَاتِ الْبَلَاءِ، وَكَثْرَةِ الْمَصَائِبِ وَالْوَبَاءِ، وَخُصُوصًا الرِّبَا وَالزِّنَا وَتَحْكِيمَ غَيْرِ شَرْعِ اللهِ تَعَالَى؛
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ r فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَؤُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاعْتَبِرُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الزَّلَازِلِ وَالْآيَاتِ، وَلْنَتُبْ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَلْنَتَذَكَّرْ قَوْلَهُ تَعَالَى{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65].
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ هَذِهِ الزَّلَازِلَ لَتُذَكِّرُنَا بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقُرْبِهِ؛ فَكَثْرَةُ هَذِهِ الزَّلَازِلِ أَخْبَـرَ r أَنَّهَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ -وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
فَمَنْ أَيْقَنَ بِقُرْبِ السَّاعَةِ، وَعَلِمَ مَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْأَهْوَالِ وَعَظَائِمِ الْأَحْوَالِ؛ عَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَاسْتَعَدَّ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقَدَّمَ الطَّاعَاتِ، وَاجْتَهَدَ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ؛ فَزَلْزَلَةُ السَّاعَةِ أَمْرٌ مَهُولٌ، وَخَطْبٌ جَلِيلٌ، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } [الحج: 1، 2].
فَلْنَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْنَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلْنَتْرُكِ الْمَعَاصِيَ وَالْمُنْكَرَاتِ؛ حَتَّى لَا يَعُمَّنَا اللهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِنْدِهِ؛ فَإِنَّ الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِيَ تَجْلِبُ الْعُقُوبَاتِ؛ فَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ r دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ! وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ! فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ» أَيِ الْفُسُوقُ وَالْفُجُورُ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ قُلُوبَنَا لَيَعْصِرُهَا الْأَلَمُ عَلَى مَا حَلَّ بِإِخْوَانِنَا فِي سُورِيَا وَتُرْكِيَا مِنْ هَذِهِ الزَّلَازِلِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللهُ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي مَدُّ يَدِ الدُّعَاءِ وَالْعَوْنِ لَهُمْ، فَمُصَابُهُمْ عَظِيمٌ وَخَطْبُهُمْ جَسِيمٌ، وَنُذَكِّرُ هُنَا: بِأَنَّ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ سُقُوطِ الْبُنْيَانِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَجْرُ الشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» [ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالْغَلَاءَ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنَ الزَّلَازِلِ وَالْكَوَارِثِ وَالْفِتَنِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا الصَّالِحَةَ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة